في ذكرى الوثيقة "المقلوبة" .. هل انتصرت السنابل على أسراب الجراد ؟
الخرطوم - تانا 4 ميديا - في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات كانت الخرطوم تمضي نحو قاعة "الصداقة" لتدشين الصداقة والشراكة بين قوى الثورة وبين المجلس العسكري الانتقالي .
يوم الرابع من أغسطس وقعت قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي في السودان على الإعلان الدستوري بالأحرف الأولى، الذي مهد الطريق لتسليم السلطة إلى حكومة انتقالية جديدة غالبيتهم من المدنيين.
ووقع أحمد الربيع أحد أبرز قادة قوى الحرية والتغيير، والفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس المجلس العسكري، الإعلان أثناء مراسم في العاصمة الخرطوم، حضرها الوسيط الإثيوبي محمود درير ووسيط الاتحاد الأفريقي محمد الحسن ولد لبات، وذلك وسط أجواء احتفالية في شوارع الخرطوم ردد المشاركون فيها الهتافات المطالبة بمدنية الدول.
ومثل التوقيع بالأحرف الأولي يومها الخطوة الأولى لطريق الشراكة الشائك بين القوى المدنية والقوى العسكرية في سودان لا يزال الناس فيه يلعقون جرح "فض الاعتصام"، فيما ساهمت الضغوط الدولية والإقليمية في دفع الجانبين على التوقيع لوضع لبنات سودان ما بعد حقبة البشير .
وقتها تعهد الطرفان بتحقيق تطلعات الشارع الثائر في إعادة بناء دولة السودان القائمة على أسس الحرية والسلام والعدالة وفقاً لما جاء في كتاب "ديسمبر" في الوقت الذي انخرطت فيه قيادات قوى الحرية والتغيير في نوبات بكاء رفع نائب رئيس المجلس العسكري إصبعه ملوحاً بعلامة مدنية الدولة، ومتعهداً بعدم الانقلاب عليها، واستدعى رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير مقدراته في نظم الكلمات ليخبر الشعب قائلاً " اليوم انتصرت السنابل على اسراب الجراد ".
بعد ثلاث أعوام من التوقيع ينطلق السؤال حول ما الذي تبقى من الوثيقة ؟، وهل حقاً انتصرت السنابل أم أن اسراب الجراد هي التي نالت المحصول في أخر المطاف ؟.
في صورة التوقيع على الوثيقة حملها أحمد رييع بشكل معكوس بينما رفعها نائب رئيس المجلس العسكري بشكل "مقلوب"، وكأنه يكشف الحجب عما يمكن أن يحدث مستقبلاً، وأن الانقلاب على وضع الشراكة ومحاولة الاستحواذ على السلطة كاملة غير منقوصة ستكون هي النتيجة الختامية للمشهد.
يقول المحلل السياسي والكاتب الصحفي عمار عوض شريف " الصورة المقلوبة يومها كانت تلخص كل الذي يمكن أن يحدث مستقبلاً، لكن حالة الزهو بانتصار الثورة لدى الشارع واحساس العسكريين بإمكانية نجاتهم من تداعيات فض الاعتصام جعلت البعض لا يرى الصورة بوضوح حتى حدث ما حدث" .
علق رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان العمل بسبع مواد من الوثيقة الدستورية التي أقرت في عام 2019 في الانقلاب العسكري الذي قاده باسم الجيش 25 أكتوبر الماضي وحلّ حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومجلس السيادة واعتقل عددًا من الوزراء والسياسيين والناشطين.
وأعلن البرهان في بيان رسمي "تعليق العمل بالمواد 11 و12 و15 و16 و24-3 و71 و72 من الوثيقة الدستورية مع الالتزام التام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت خلال فترة الحكومة الانتقالية".
ويخوض السودانيون منذها معركة من أجل التخلص من الانقلاب العسكري تجاوزوا فيها حتى المطالبات بالعودة للوثيقة الدستورية والمسار الديمقراطي مثلما كان يحدث عقب الانقلاب.
وبعد نحو شهر على توقيع الوثيقة الدستورية، عرف السودانيون أن هناك وثيقتان دستوريتان، الأولى بها (70) مادة، بينما في الثانية (78) مادة، وكان حديث المجالس وقتها بأيّ النسختين تُحكم البلاد وتُدار؟ وحاجج بعض القانونيين الذين ساهموا في كتابة الوثيقة الدستورية بأن ما حدث هو "تعديل في الصياغة" وليس إضافة مواد جديدة، مؤكدين وجود وثيقة واحدة فقط.
في الذكرى الثالثة لتوقيع الوثيقة الدستورية يخوض الأستاذ أحمد ربيع الموقع عليها معركة في النيابة من أجل الاحتفاظ بمنصبه كمدير لمدينة المعلم الطبية، وهو يقاوم قرار اقالته من منصبه بواسطة السلطة الانقلابية بعد أن تم استدعائه من قبل النيابة بعد رفضه تنفيذ قرار الإقالة.
ومن مقر إقامته بمدينة الجنينة أقصى غرب السودان، قال نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي"، إن "الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش في أكتوبر الماضي قد فشل"، وأضاف دقلو في مقابلة مع "بي بي سي"، أن الأوضاع الاقتصادية والأمنية في السودان "باتت أسوأ مما كانت عليه قبل الانقلاب وكان الرجل يؤكد أن الاسراب التي حاولت التهام السنابل لم تجد ما تلتهمه.
وللتأكيد على فرضية أن وثيقة 2019 صارت من التاريخ، فإن لجان المقاومة التي تقود الحراك الاحتجاجي ضد الانقلاب ترفع شعار: "لا تفاوض، لا شرعية، ولا شراكة" مع المكون العسكري، وأجهزت لجان المقاومة على الوثيقة الدستورية من خلال إعلانها عن "ميثاق تأسيس سلطة الشعب" الذي حوى عدة بنود من بينها بند يطالب بإلغاء الوثيقة الدستورية وخلق وضع دستوري جديد .